الخميس، 14 أكتوبر 2010

هكذا تكلم جيفري لانغ .. لسانٌ عربيٌ مبين !







إن استخدام القرآن للمصطلحات غير التقليدية في بحثه ( الغيب ) متطابق و متزامن باستمرار . غموض القرآن بشأن ما يقع خارج نطاق الخبرة البشرية و فهمها يعد معتمداً بوضوح ، و هكذا ، بالإضافة إلى احتوائه نصوصاً لا تؤخذ بحرفيتها ، فإنه يصوغها بطريقة تجعل من الصعب أخذها حرفياً .

كما أن قراءة القرآن مترجماً تجعله مصدراً محتملاً للتناقض العقلي المنطقي . إذ أن اللغة محدودة بصورة معقدة بالتاريخ و بالثقافة اللذين نشأت فيهما ، تعكس تراصاً مميزاً و بُنى اجتماعية ، و آراء عالمية خاصة بها . ففي كل لغة كلمات و تعابير عديدة ليس لها ما يطابقها في لغات أجنبية . و هكذا فإن الترجمة ليست ـ في الواقع ـ عملية تحويل مجموعة من العبارات إلى مجموعة مطابقة لها من العبارات في لغة أخرى ؛ تتضمن أخذ المعنى المتأصل فطرياً في ثقافة ما و إسقاطه على لغة أجنبية . فالمترجم أساساً مفسر يتضمن عمله اختيار معنى من بين المعني المحتملة في كلا جانبي العملية . و بغض النظر عن أمانة المترجم و سعة معرفته ، فلن تكون الترجمة سوى نقل تقريبي . و كلما كان الاختلاف بين ثقافتين كبيراً كانت الترجمة بينهما أصعب . و من الصعب أن يتصور المرء ثقافتين أكثر بعداً بعضهما عن بعضٍ من الثقافة العربية في القرن السابع الميلادي و الثقافة الغربية الحديثة .

ففي العربية تشتق الكلمات من جذور صحيحة . و تتألف الغالبية العظمى من الجذور من ثلاثة حروف صحيحة ، و القلة القليلة جداً تتألف من حرف واحد ، أو حرفين أو أربعة أو حتى خمسة . و يقترن بأي جذر معنى أساسي تحمله الكلمات المشتقة منه كلها . و أول ما يكتشفه دارس العربية الطيف الواسع من المعاني المقترن بمعظم الكلمات . ففي معجم لين (Lane ) العربي – الإنجليزي تغطي معظم قوائم الكلمات و المعاني المقترنة بجذر واحد صفحات عديدة ، لأن كثيراً من المصطلحات و العبارات تقبل ظلالاً مختلفة و كثيرة من المعنى . فهذا الثراء و هذه المرونة اللذان تمتع بهما المفردات العربية هما اللذان منحاها هذه الطواعية المشهورة ، الأمر الذي جعلها وسيطاً مثالياً للشعر ، ذلك الفن العربي السائد منذ أقدم العصور .

يعترف العرب دائماً بجمال القرآن وفصاحته اللذين لا يضاهيان . و هكذا فإن أي ترجمة ستكون بالتأكيد أدنى بكثير من الأصل ، و لكن الأهم و خصوصاً من الناحية الجمالية أنها ستكون أدنى مقدرة على إيصال الرسالة ، لأن المدى الواسع للمعاني المحتملة سيُضحى به لدى اختيار المترجم معادلاً أجنبياً . و ربما يقود ذلك على ما يبدو إلى تناقضات عديدة.

و من الأمثلة عل ذلك ترجمة علي يوسف للآية التالية :

" Many are the Tinns ad Men We have made for hell : They have hearts wherewith they understand not , eyes wherewith they see not , and ears wherewith they hear not . They are like Cattle – ney misguided : fii they are heed less ( of Oursigns).

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَـٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴿١٧٩﴾ سورة الأعراف

يبدو أن السطر الأول – المترجم – يدل بالتأكيد على أن بعض الأشخاص مقدر لهم الجحيم ، لولا الحقيقة التي مفادها أن بقية الآية تشير إلى أن مثل هؤلاء الأشخاص كان مصيرهم جهنم لأنهم كانوا غافلين عن آيات الله . و مع ذلك فإن فاتحة الآية تبدو أنها تؤيد مفهوم القضاء و القدر الكلي . إن الكلمة العربية التي ترجمها علي إلى كلمة ( made ) و هي ( ذرأ ) . و ترجم بعض المترجمين هذه الكلمة إلى كلمة أشد حدة و هي ( خلق ) إن ( معجم اللغة العربية المكتوبة الحديثة ) لمؤلفه هانس ويهر الذي يعد أكثر المعاجم العربية – الإنجليزية انتشاراً و استخداماً ، لم يدرج أياً من هذه المعاني أو ما يقاربها تحت مادة هذا الفعل . بين كتاب ( انسجام القرآن ) لقسيس أن كلمة ( ذرأ ) وردت في القرآن ست مرات ، و ردّها في كل هذه المواضع ، ما عدا في الآية [ 179 ] من سورة الأعراف الآنف ذكرها إلى معنى ( بعثر / نثر ) أو ( كثّر ) و هي معانٍ تتفق مع مضامين الكلمة الأساسية و دلالاتها . كما أن معجم لين العربي – الإنجليزي الهام يدرج معنى ( يخلق ) ، و لكن ليس كمعنى أولي ، و لكنه يقتبس من المفسرين الكلاسيكيين للقرآن ، ( و للآية 179 من سورة الأعراف ) كمثال على هذا المعنى . و من ثم ، لم يكن هذا المعنى ، على ما يبدو ، مقترناً بكلمة ( ذرأ ) في عصر الجاهلية ، و لكنه أُدخل فيما بعد بزمن طويل ، و عكس الاتجاهات العقائدية لبعض المذاهب الفكرية . و تشير كل المراجع و المصادر إلى أن المعاني الأولية المقترنة بكلمة ( ذرأ ) هي أقرب إلى ( ينثر) ، ( يبعثر ) ، ( ينشر ) ، ( يرش) ، ( يلقي)، ( يبذر )، ( يكثّر ) ، ( يضاعف ) . إضافة إلى أن الآية تبدأ بكلمة ( لقد ) التي هي تأكيد لفعل منجز . ومن الترجمات الطبيعية لكلمة ذرأ هي ما يأتي :

" We have already cast into hell many of the jinns and humans . they have hearts……..".

لذلك ، يبدو أن هذه الآية لا تتحدث إطلاقاً عن القضاء و القدر ، خصوصاً و أن السياق يبين أن هذا النص و ما سبقه مباشرة يشير إلى أولئك الذين يرفضون آيات الله ( أو وحيه ) معتمدين "وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴿١٨٢﴾ " [ الأعراف : 7 / 128 ] ، و أرى أن هذه الآية تعد مثلاً رائعاً آخر على ما يفعله القرآن دائماً ، و هو أن يشير أحياناً إلى الأحداث في اليوم الآخر بصيغة زمنية غير صيغة الأحداث ، و لكني أشعر أنها تشرح كذلك و تدعم فكرة أن الله يسمو على الزمان و المكان ، و أن الآخرة تحصل في خلق آخر مختلفٍ جداً .

لقد بحثت آنفاً ما أعتقد أنه بعضٌ من أكثر مصادر التناقض الظاهر بين القرآن و العقل . و تبين لي من المراسلات مع الشباب الأمريكيين المسلمين أن معظم المشاكل من هذا النوع تنشأ من الحرفية المفرطة لفهم الكتاب ، و من طبيعة العيوب و القيود التي تفرضها الترجمة . و مع ذلك ، بغض النظر عن معرفة المرء باللغة العربية و التاريخ العربي القديم و الثقافة العربية القديمة ، فإن علينا أن نظل مدركين لحدود اللغة البشرية المتأصلة عندما نتكلم عن (الغيب) ، وخصوصاً عن ( الله ) . و كما قلنا من قبل ، تتأصل اللغة في الخبرة البشرية ، و لكن بما أن الله يتكلم غالباً عن حقائق و وقائع تتجاوز الخبرة البشرية ، فإن لغات البشر كلها ، بما فيها العربية ، تعد محدودة المقدرة على إيصالها إلينا . و هكذا ، مهما بلغت أنظمة التواصل لدينا ، و مهما بلغت فلسفتنا من تعقد و تطور ، فلسوف تظل هناك مسائل لا نستطيع بلوغها . و هذا هو مضمون الآية الآتية ، كما أعتقد : " وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّـهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٢٧﴾ " [ لقمان : 31 / 27 ] .

ضياعُ ديني لـ جيفري لانغ
صـ 64 .

الاثنين، 16 أغسطس 2010

ماءٌ منهمر .. وجنّة .!





قال تعالى : " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴿١٠﴾
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴿١١﴾
وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴿١٢﴾

السورة : نوح .
المخاطِب : نوح عليه السلام .
المخَاطب : قوم نوح عليه السلام.
ديانة قوم نوح : الكفر ، عبادة الأصنام .
المطلوب منهم : الاستغفار أي الإسلام .
فـ" الاستغفار " هنا يأتي بمعنى الإسلام ، التوبة من الذنب و الإقلاع عنه لأنهم كفار ، فلا صالحات لكافر .!
نوع الاستدراج : بنعائم الدنيا المحسوسة ، و النتائج المباشرة للاستغفار ترغيباً لهم ، لأنهم كفار و لما يدخل الإيمان في قلوبهم بعد ..!

هل ورد مثل هذا الاستدراج في موضع آخر من القرآن ؟!

نعم ، في موضع آخر فقط ، في قوله تعالى : " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴿٥٢﴾ "


عن هذا الموضع :

السورة : هود .
المخاطِب : هود عليه السلام .
المخَاطب : قوم هود عليه السلام.
ديانة قوم هود : الكفر ، عبادة الأصنام .
المطلوب منهم : الاستغفار أي الإسلام .


إذاً فالإغراء بالنعيم المعجل الدنيوي استدراج للتوحيد ، كاستدراج الرسول صلى الله عليه و سلم جديدي الإسلام و الأعراب بالغنائم ، و كإغراءه سراقة بسواري كسرى .!

" استغفروا " أخرى في القرآن...

" ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٩٩﴾ "


" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴿٦٤﴾ "



"وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿١٣٥﴾ أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿١٣٦﴾ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿١٣٧﴾ هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ﴿١٣٨﴾ "

و في الحديث : " سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال : ومن قالها من النهار موقنا بها ، فمات من يومه قبل أن يمسي ، فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها ، فمات قبل أن يصبح ، فهو من أهل الجنة "

المعادلة إذن :

استدراج أمم الكفر للـ " توحيد " : بالدنيا .!

استدراج المؤمنين للـ " استغفار " : بالجنة .!



أما أن يكون الهدف الأول من الاستغفار لأمة مسلمة هو الإغراء نفسه لأمم كافرة ، فهذا يعني أن هناك أزمة ، أن هناك ربّاً من نوع ما .. و يمحق الله الربّا .!
أن يكون الجواب المباشر عند السؤال عن دليل على فضل الاستغفار ، هي الآيات من سورة نوح فهناك أزمة .!
أن يلتزم الانسان الاستغفار من الذكر ، و يظل عليه عاكفاً ، و يفرغ له الحصة الكبرى من ذكر الله ، وهو يعلم أن لا إله إلا الله أفضل الذكر و الحمد لله نخلة في الجنة و أكثر من ذلك ، فهناك أزمة .!
أن يلزم الانسان الاستغفار ، لأنه يريد أن تتبدل دنياه بمصائبها و همومها و أحزانها نعيماً و ملكاً عظيماً و هو قابع لا ينفع نفسه فهناك أزمة .!
أن يتحول الاستغفار إلى حملات و محافل، عسى أن تتبدل السماء و الأرض فهناك أزمة .!
أن تقضي عمرك تستغفر و أنت أنت ، لم تتغير فهناك أزمة .!


ما بعد التوحيد :

هناك انسان ، انسان يعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً و يعمل لآخرته كأنه يموت غداً ، هذا الانسان ، يقول له الرسول محمد صلى الله عليه وسلم :

" من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب " .!

تشريح :

إن الاستغفار في الآيتين اللتين تعدان بنعيم الدنيا المعجل أعلاه ، يجب أن يكون عملياً فالاستغفار الشفهي ليس حقيقة الاستغفار على الأقل فيهما . بل و في سيد الاستغفار أيضاً حيث لم ترد كلمة " أستغفر " ذلك لأنه هناك بعد آخر ، لأنه لا يصح أن يقول الرجل : أستغفر الله العلي العظيم و أتوب إليه ، و هو يعبد الأصنام عاكف عليها .!

و كذلك لا يكرر المسلم " أستغفر الله العلي العظيم و أتوب إليه " سبعين مرة أو ألف مرة ، و هو لا يزال يغتاب و يغش و يكذب و يزور و يستمر في الذنب !


فالسنة التي تفرضها الآيات و يتضمنها الحديث هي أن تستغفر شفهياً و تقوم بسلوك إيجابي و هو " التوبة " و محو سلوك سلبي بـ" الإقلاع عن الذنب " حينها .. أنت تقوم ببناء انسان جديد متزن " خاشع " قابل للإنبات و لنيل الرزق بدون حساب و الجنة .!












.

الأحد، 25 يوليو 2010

التدوينة الأولى .. الإبحار الأول .!




الوصول أخيراً .. لا يعني التأخر أبداً .!

بل قد تتحالف معك بعض تفاصيل الزمان و المكان ، فتسجلك الأول .!

هكذا حدث مع كولومبوس !

و هذا لا يعني أبداً أني أرغب بأن أكون كولومبوس التدوين .

فقط ،

إيجاد مبرر من نوع ما بأن تكون لي مدونة ، و التدوين فيها.!

و لأنه لا مؤونة و لا زمن .. سيستغرق هذا الإبحار عبوراً خفيفاً في صفحات الأرض و السماء .!

مزيج من تأمل يحاول أن يقتبس من رَوح ربي و تفكير يحاول التشبث بأرض الجنة .!